


ومن أسرار البندقية ايضا أن شارع الشيطان قد سمي بهذا الاسم لانه يتفرع من جسر الشيطان حيث يغرق الكثيرون لخطورة العبور. ومن عجائبها أنها مليئة بالقطط ولكل قهوة قطة للحراسة وقد اتوا ببعض الانواع الشرسة من سورية وفلسطين لانقاذهم من الجرذ والفئران التي سببت الطاعون في القرون الوسطى لذا ما زالوا يعتقدون أن القط يجلب الحظ.
الكرنفال .. والتوجه ساحة سان ماركو الشهيرة في وسط البلد لرؤية احتفالات الكرنفال الذي بدأ في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي وكان بعض الشباب والفتيات يتراشقون بالماء وحولهم عشرات الحمائم، بينما كانت الفرقة الموسيقية تعزف الالحان الجديدة للموسيقار نيقولا بيوفاني (الحائز جائزة الاوسكار لموسيقى فيلم الحياة حلوة) في عرضه الذي أثار حماس باريس مؤخرا واسمه «غونتشا بونيتا» ويعرض الان في روما بنجاح باهر واكتشفت أن فينيسيا تحتضن على دوام الليل والنهار مئتي عرض موسيقي ومسرحي خلال الكرنفال، تقام في الساحات والمسارح من ساحة سان ماركو الى سان باولو ومن جزيرة جوديكا الى جزيرة مورانو. وقد نظم المهرجان أكبر مخرج مسرحي معاصر في ايطاليا موريتزيو سكابارو وأسماه «أغاني الحياة في عصر الطاعون» ولاشك أن صخب الكرنفال ينسي الزائر ضرورة زيارة المتاحف الثمينة في فينيسيا وأهمها متحف دوكالي في ساحة سان ماركو ومتحف الفنون الشرقية ومجموعة لوحات بيغي غوغنهايم ومتحف الزجاج الملون في جزيرة مورانو. وتمتاز هذه الجزيرة بصنع الثريات الزجاجية المدهشة وقطع الزجاج الاحمر والازرق التي تخالها من الياقوت ويمكن الوصول اليها بالسفينة النهرية او ما يسمونه بالايطالية vaporetto.
التاريخ يتوق إلى الشرق البندقية، مدينة عريقة كانت تتطلع دوما الى الشرق وأهلها يحبون البذخ والاسراف ويقدرون الفن الرفيع، وللبيزنطيين اثار وكنائس لا تحصى اينما توجهت فيها. ومن اعلام الموسيقى الذين أنجبتهم المدينة الموسيقار فيفالدي صاحب قطعة الفصول الاربعة والرسامين تزيانو رائد الفن التصويري في القرن السادس عشر بثورته الفنية التي استخدمت التدرجات اللونية وكاناليتو الذي كرس نفسه لتصوير مشاهد المدينة بلوحات رائعة وكذلك الكاتب المسرحي غولدوني مؤسس الملهاة الحديثة. ومن أشهر ابنائها الرحالة ماركو بولو الذي وصل الى الصين عن طريق سورية وعبر مضيق هرمز متبعا طريق الحرير مرورا بالتيبت ثم عاد الى البندقية ويقال إنه أدخل اليها السباغيتي والمعجنات كما جلب الزنجبيل. ولا ننسى ايضا العاشق المغامر كازانوفا منافس دون خوان في اساطير الغرام وخلد شكسبير المدينة بمسرحيته العظيمة «تاجر البندقية» التي تحولت الان الى فيلم سينمائي من بطولة آل باتشينو سيعرض كما نرى في اعلانات الدعاية المنتشرة في كل مكان بمناسبة عيد العشاق.وقد قام اسطول البندقية في الالفية الاولى بالسيطرة على بحر الادرايتيك والطريق الى الاراضي المقدسة في فلسطين ومنذ القرن الثالث عشر الت اليها حقوق التجارة حصريا مع بلاد المشرق العربي ثم احتلت جزيرة قبرص وكريت وأصبحت قوة تخشاها اوروبا بعد احتكارها لتجارة الملح وبضائع الشرق خاصة الفلفل من الهند ثم جلبوا الزعفران للاكل وتبخير المسارح والوقاية من الطاعون.
ودعت فينيسيا والبرد مازال ينخر العظام على امل العودة في الربيع احسن الفصول لقضاء اجازة لا تنسى لكن ـ سان فالنتينو ـ قادم بعد ايام في 14 فبراير( شباط) الحالي حيث يتدفق الاف السياح ويختلط الحابل بالنابل فلا تجد غرفة فارغة في أي فندق مهما غلا او رخص ثمنه ونظرت الى ابنية فينيسيا وتساءلت هل تغرق فعلا بمعدل ستة سنتيمترات كل عشر سنوات وهل تفسد ثلث كنوزها الفنية النفيسة كما يقال بسبب التلوث. صحيح ان فينيسيا في خطر لكن حين نظرت الى أهلها وهم يسيرون رافعي الرؤوس لان كلا منهم واثق أنه سيرى شخصا يعرفه ليحييه قلت لنفسي هذا شعب يقبل التحدي وسيبقى في مدينته النادرة على مر الزمان لان اجداده تحدوا الطبيعة بعد هروبهم من البرابرة وبنوا اجمل مدينة على جزر متناثرة في وسط مستنقع واحفادهم اليوم يتمتعون بالثروة ويملكون القوارب الصغيرة فيذهبون بها كل اسبوع الى احدى الجزر لتناول الغذاء في المطاعم الفخمة والاستمتاع بالتشمس على الشواطئ في دعة وراحة. اما عمدة المدينة ماسيمو كاتشاري فهو فيلسوف ناجح في الادارة رغم انه ينتمي الى أقصى اليسار، لكن ايطاليا بلد المتناقضات وفينيسيا جزء منها.